رسالة رئيس مجلس التعليم العالي

لماذا تركيا

بروفيسور دكتور محمد علي يكتا سراج رئيس مجلس التعليم العالي

إن التراث الثقافي الفريد الذي تتمتع به الجمهورية التركية التي احتضنت أراضيها حضارات مختلفة على مدار تاريخها، تمكن من الوصول إلينا اليوم، من خلال التزود بمكتسبات العالمين الشرقي والغربي في الوقت نفسه. ويعتبر التعليم العالي هو أحد انعكاسات هذا التاريخ المثمر، حيث تمتد جذوره إلى القرن الرابع عشر الميلادي، إذ تأسست "المدارس الثمانية" أو ما يسمى ب "الصحون الثمان"، التي كانت تمثل أحد أهم منابر ومؤسسات العلم في تلك الفترة، والتي تعرف اليوم باسم جامعة إسطنبول.

 

تمكنت تركيا من تحقيق تقدمًا ملحوظًا ومهمًا في العديد من المجالات، على رأسها سهولة الوصول إلى التعليم العالي والنمو النوعي في المجال التعليمي خلال السنوات الأخيرة. اليوم، يتكون نظام التعليم العالي في تركية من 207 مؤسسة تعليم عالي تضم نحو 180 ألف عضو هيئة تدريس إضافة إلى ما يقرب من 8 ملايين طالب. تحتل تركيا المركز الأول في مجال التعليم العالي في أوروبا من حيث عدد الطلاب. وبجانب هذا النمو الكمي المتطرد، فإن تركيا وضعت سياسات تسهل على المؤسسات التعليمية تنفيذ المهام الواقعة على بطريقة أكثر فعالية، و اتخاذ القرارات في ضوء  اختلافات المهام المعتمدة على التنمية الإقليمية، كما يتم اختيار الجامعات البحثية، وكذلك ضخ استثمارات في هذا الإطار. لذلك فإن مؤسساتنا تصل إلى نقاط أفضل في مجالاتها، وتتوحد وتجسد مع المناطق المختلفة الكائنة فيها، مما جعلها محط للأنظار والاهتمام في مناطقها. 

يعتبر الحصول على تعليم عالي وجودة التعليم العالي، وكذلك جعل مؤسسات التعليم العالي مواكبة للمعايير الدولية من الموضوعات الرئيسة والأساسية في مجال التعليم العالي. لذلك، فإنه بجانب السياسات التي تسهل الوصول والحصول على التعليم العالي في ضوء أهداف الدولة وخطتها بحلول عام 2023، فقد حددنا أهدافنا الأساسية والرئيسية في مجال التعليم العالي على أن تكون قائمة على تطوير استراتيجيات متنوعة بغرض زيادة الموارد البشرية المميزة والمدربة، وإبداع سياسات تحمل معايير ومستويات الجودة إلى المزيد من الامتياز، ودفع عجلة مشروعنا الخاص باختلاف المهام والاختصاصات نحو المزيد من التقدم، فضلًا عن جعل الجامعات التركية مركز جذب دولي للطلاب. وعند النظر إلى أهدافنا الرئيسية، يمكننا القول أننا في نقطة ومستوى مطمئن للغاية فيما يتعلق بالوصول للتعليم العالي. فقد جاءات تركيا في المركز الثاني بين 137 دولة حول العالم شملهم مؤشر التعليم العالي والتدريب، وفقًا لتقرير التنافسية الدولية لعامي 2017-2018، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

إن رفع سقف الجودة في مجال التعليم العالي هو أهم ثاني الموضوعات بعد المكتسبات العددية والكمية التي تم اكتسابها من خلال تسهيل الوصول إلى التعليم العالي. وبهذا الغرض تم تأسيس مجلس جودة التعليم العالي بشكل مستقل من الناحية المالية والإدارية في عام 2015. كل واحدة من الجامعات الموجودة ضمن نظام التعليم العالي في تركيا، أصبحت اليوم ملزمة بالخضوع لتقييم مؤسسي خارجي من قبل مجلس جودة التعليم العالي الذي حصل على الاستقلال في عام 2017، مرة واحدة على الأقل كل خمس سنوات. وتعتبر العديد من الموضوعات مثل رفع الحد الأدنى للقبول في نظام الانتقال للتعليم العالي، ووضع حد لمعدلات النجاح في برامج الطب والحقوق والهندسة والعمارة والتربية، وبدء تطبيق الحد الأدنى للقبول، ورفع معايير القبول في برامج الدكتوراة، وبدء إتاحة البرامج المدرجة في الدليل المعتمد لمجلس التعليم العالي الذي يضم برامج البكالوريوس التحضيري والبكالوريوس، وتحديث معايير التعليم باللغات الأجنبية،  بعض من المشاريع الهامة العديدة التي طورناها لتحسين جودة موضوعات نظام التعليم العالي.

نحن –رئاسة مجلس التعليم العالي- نؤمن بأن تحول التعليم العالي لمواكبة المعايير العالمية هو استثمار من أجل المستقبل؛ كما نؤمن بأهمية وضرورة التقدم تحت مظلة الاستمرارية وفقًا للفهم والوعي بالمسؤولية تجاه الطلاب والأكاديميين وكذلك المؤسسات أصحاب المصالح المشتركة.

تشهد السنوات الأخيرة، تزايد ملحوظ في أعداد الطلاب الدوليين الذي انضموا إلى نظام التعليم العالي التركي. فقد وصل عدد الطلاب الدوليين الأجانب الذين يدرسون في مؤسسات التعليم العالي التركية إلى 170 ألف طالب، بعد أن كانوا نحو 48 ألف طالب فقط قبل أربعة سنوات؛ فالطلاب الذين يختارون ويوجهون دفتهم نحو الحصول على التعليم في تركيا يتلقون تعليم وخدمات تعليمية في المجالات والأقسام المختلفة، وفقًا للمعايير الأوروبية. من جانب آخر، تركيا واحدة من الدول الحاصلة على اعتماد نظام تحويل الرصيد والتراخيص الأوروبي (ACTS)، وتحتل دائمًا المركز الأول بين دول منقطة التعليم العالي الأوروبية (EHEA) في مجال التعليم العالي على مستوى أوروبا، منذ عام 2009. كما أن عدد الجامعات الحاصلة على ملحق الشهادة (DS) بلغ 73 جامعة؛ لذلك فإن الشهادات الجامعية التي يحصل عليها الطلاب في نهاية المرحلة التعليمية، لا يعترف بها في جميع أنحاء أوروبا فقط، وإنما تعتبر مفتاحًا مهمًا للغاية يفتح لهم أبواب المستقبل في العديد من الدول المتقدمة حول العالم.

وبجانب أن تركيا كانت أحد الدول المشاركة في عملية بولونيا للتعليم في عام 2001، فقد كان للاعتراف الأكاديمي الذي يعتبر عنصرًا مهمًا في جعل التعليم العالي مواكب للمستويات والمعايير الدولية، دورًا في جعل التعليم العالي التركي في مرتبة متقدمة. أمَّا طلابنا في المراحل التعليمية المختلفة من بكالوريوس تحضيري، وبكالوريوس، ودراسات عليا (ماجستير)، ودكتوراه، البالغ عددهم نحو 45 ألفًا، من بينهم 2748 طالبًا يدرسون بلغات أجنبية، داخل مؤسساتنا التعليمية البالغ عددها 207 مؤسسة، فيتمتعون بفرصة وحظ وفير يتمثل في إمكانية استكمال جزء من دراستهم في أي دولة أجنبية أخرى. فقد جاء نحو 63 ألف طالب إلى بلادنا منذ عام 2004، وحتى الآن، من خلال برنامج أراسموس (Erasmus/ Erasmus+)، كما يواصل نحو 170 ألف من طلابنا الدراسة في الخارج سواء بنظام العام الدراسي الواحد أو اثنين، من خلال الذهاب إلى الدول المختلفة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وخلال قمة الوزراء في مجال التعليم العالي الأوروبية التي نظمت في الفترة بين 24-25 مايو/ آيار من عام 2018، فقد تمكنت تركيا من اقتناص مركزها الأول لمرة أخرة متقدمة على العديد من الدول الأوروبية، من حيث المكتسبات التي وضعتها اتفاقية بولونيا للتعليم، بعد أن حصلت على 5 درجات من 5 درجات في موضوعات "إطار المسؤولين"، و"نظام تحويل الرصيد الأوروبي"، و"ملحق الشهادة".

أما برنامج مولانا للتبادل الطلابي الذي أطلقه مجلس التعليم العالي ويدعمه، فيقد لطلاب الجامعات والأكاديميين في الجامعات التركية وكذلك الجامعات الموجودة في الخارج إمكانية الدراسة خارج البلاد الموجودين فيها، سواء فصل دراسي واحد أو فصلين دراسيين. وقد وصل عدد الجامعات التي وقعت على بروتوكول مولانا للتبادل الطلابي 3000 جامعة حول العالم.

كذلك برنامج التبادل الدولي المعتمد على المشروعات، فهو يعتبر خطوة مهمة من مجلس التعليم العالي نحو جعل مؤسسات التعليم العالي التركية مواكبة للمعايير الدولية من حولها. تقوم مؤسسات التعليم العالي بتطوير مشروعات مشتركة في المجالات المعتمدة من قبل المجلس التنفيذي للتعليم العالي. وكما تم توفير الدعم لعدد 114 مشروع علمي مشترك يتم تنفيذه بين جامعاتنا وجامعات 40 دولة، من أجل تبادل الطلاب والأكاديميين ضمن هذا المشروع.

تشهد مستويات الجودة ومعاييرها في التعليم والتدريس في مؤسسات التعليم العالي التركية تزايدًا مستمرًا يومًا بعد الآخر. كذلك فإن المشروعات المشتركة المنفذة مع أعرق الجامعات العالمية وبرامج الشهادات المشتركة لها نصيب أيضًا من إمكانيات "التبادل" و"التنقل" التي نقدمها للطلاب والأكاديميين. وصل عدد برامج الشهادات المشتركة المنفذة مع عدد من أعرق الجامعات العالمية في العديد من الدول، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وإنجلترا، وفرنسا، وألمانيا، إلى 267 برنامجًا.

نطبق بنجاح برنامج مجلس التعليم العالي للمنح الدراسية للطلاب، منذ ثلاثة سنوات، من أجل تلبية احتياجات الدول الشقيقة والصديقة من القوى البشرية المدربة وأصحاب الكفاءة العالية. يعتمد هذا البرنامج، الذي لا مثيل له في أي مكان في العالم، على أن تحدد الدولة التخصصات التي سيتم دراستها، على أن يقوم الطلاب بالعودة والعمل بشكل إلزامي في مؤسسات دولتهم بعد التخرج. لذلك فإنه ينظر إلى الفائدة التي تعود على الدولة، وليس على الشخص الحاصل على منحة مجلس التعليم العالي للطلاب. بذلك فإن مجلس التعليم العالي يساهم بشكل مهم في مساعي "تركيا الجديدة" في هذا التوجه من خلال مفهوم مشاركة الإمكانيات مع الدول الصديقة والشقيقة.

في النهاية، أدعو الطلاب الدوليين للدراسة في الجامعات التركية التي تقدم خدمات تعليمية ذات جودة عالية في العديد من المجالات والعلوم، وعلى رأسها مجالات الصحة والهندسة. كما أوصيهم بالاستمتاع بتجربة العيش وسط الشعب التركي المعروف بعطائه ومضيافيته، والذي ينظر للتنوع والاختلاف على أنه نوع من الثراء، والعيش وسط ملتقى الحضارات الشرقية والغربية المجتمعة في مكان وزمان واحد، وألا يضيعوا فرصة تنفيذ أحلامهم المستقبلية من خلال الشهادات العلمية التي سيحصلون عليها من الجامعات الموجودة في تركيا.